كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {يكاد} فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذلك لم تدخل عليه أن لأن أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو، والأصل: يكود، مثل خاف يخاف، وقد سمع فيه، كدت بضم الكاف، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذي بعدها وقع، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه قارب الوقوع، وموضع {يخطف} نصب لأنه خبر كاد، والمعنى: قارب البرق خطف الأبصار، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى: {إلا من خطف الخطفة} وفيه قراءات شاذة: إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء، والأصل: يختطف، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء، والثالثة كذلك، إلا أنها بكسر الطاء على ما يستحقه في الأصل، والرابعة كذلك، إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الإتباع، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين {كلما} هي هنا ظرف، وكذلك كل موضع كان لها جواب، وما مصدرية، والزمان محذوف أي كل وقت إضاءة، وقيل ما هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت، والعائد محذوف: أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل في كل جوابها، و{فيه} أي في ضوئه والمعنى بضوئه، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها، والمعنى: إنهم يحيط بهم الضوء {شاء} ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره: شئت شيئا، وقالوا: أشأته أي حملته على أن يشاء {لذهب بسمعهم} أي أعدم المعنى الذي يسمعون به، وعلى كل متعلق ب {قدير} في موضع نصب.
قوله تعالى: {يا أيها الناس} أي اسم مبهم لوقوعه على كل شيء أتى به في النداء توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام إذا كانت يا لا تباشر الألف واللام، وبنيت لأنها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه، لأن الأصل أن تباشر يا الناس، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك ها والناس وصف لأى لابد منه، لأنه المنادى في المعنى، ومن هاهنا رفع، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز: يا زيد الظريف، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره، والصفة لا يلزم ذكرها {من قبلكم} من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والتقدير: والذين خلقهم من قبل خلقكم، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه {لعلكم} متعلق في المعنى باعبدوا، أي اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى، والأصل توتقيون، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الأخرى وسكنت الياء ثم حذفت، وقد تقدمت نظائره، فوزنه الآن تفتعون.
قوله تعالى: {الذى جعل} هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم، أو صفة مكررة، أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذى، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الأرض، وفراشا حال، ومثله: والسماء بناء، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين وهما الأرض وفراشا ومثله: والسماء بناء، ولكم متعلق بجعل، أي لأجلكم {من السماء} متعلق بأنزل، وهى لابتداء غاية المكان، ويجوز أن يكون حالا، والتقدير: ماء كائنا من السماء، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف، والأصل في ماء موه لقولهم: ماهت الركية تموه، وفى الجمع أمواه، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس {من الثمرات} متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و{لكم} أي من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق وليس بمصدر {فلا تجعلوا} أي لاتصيروا أو لا تسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين، والأنداد جمع ند ونديد {وأنتم تعلمون} مبتدأ وخبر في موضع الحال، ومفعول تعلمون محذوف: أي تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن، والتاء للخطاب، والميم للجمع، وهما حرفا معنى.
قوله تعالى: {وإن كنتم} جواب للشرط {فأتوا بسورة} و{إن كنتم صادقين} شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الأول: أي إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك، ولا تدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى، إلا على كان لكثرة استعمالها، وأنها لاتدل على حدث {مما نزلنا} في موضع جر صفة لريب: أي ريب كائن مما نزلنا، والعائد على ما محذوف: أي نزلناه وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، ويجوز أن يتعلق {من} بريب: أي إن ارتبتم من أجل ما نزلنا {فأتوا} أصله: ائتيوا، وماضيه أتى، ففاء الكلمة همزة، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين، وكانت الياء الأولى للكسرة قبلها، فإذا اتصل بها شيء حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء لأنك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل هذه الآية، وياء إذا انكسر ما قبلها كقوله: الذي ايتمن، فتصيرها ياء في اللفظ، وواوا إذا انضم ما قبلها كقوله: يا صالح أوتنا، ومنهم من يقول: ذن لى {من مثله} الهاء تعود على النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من للابتداء، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة، ويجوز أن تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه} {وادعوا} لام الكلمة محذوف، لأنه حذف في الواحد دليلا على السكون الذي هو جزم في المعرب، وهذه الواو ضمير الجماعة {من دون الله}.
في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداءكم منفردين عن الله أو عن أنصار الله.
قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا} الجزم بلم لا بإن لأن لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ، وإن قد دخلت على الماضي في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى: {وإن أحد من المشركين} {وقودها الناس} الجمهور على فتح الواو وهو الحطب، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس {أعدت} جملة في موضع الحال من النار، والعامل فيها فاتقوا ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء: أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لا يعمل في الحال، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ما عمل عمله وبين ما يعمل فيه بالخبر وهو الناس.
قوله تعالى: {أن لهم جنات} فتحت أن هاهنا لأن التقدير لهم، وموضع أن وما عملت فيه نصب ببشر، لأن حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة لأنه موضع تزاد فيه، فكأنها ملفوظ بها، ولا يجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا {تجرى من تحتها الأنهار} الجملة في موضع نصب صفة للجنات، والأنهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن، من تحتها الخبر ولابتحتها لأن تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لا تجرى وإنما تجرى أنهارها، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف، ولو قيل إن الجنة هي الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها {كلما رزقوا منها} إلى قوله: {من قبل} في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام، ويجوز أن يكون حالا من الجنات لأنها قد وصفت وفي الجملة ضمير يعود إليها وهو قوله: {منها} {رزقنا من قبل} أي رزقناه فحذف العائد، وبنيت قبل لقطعها عن الإضافة لأن التقدير من قبل هذا {وأتوا به} يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و{متشابها} حال من الهاء في به {ولهم فيها أزواج} أزواج مبتدأ ولهم الخبر، وفيها ظرف للاستقرار، ولايكون فيها الخبر لأن الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الأزواج لهم و{فيها} الثانية تتعلق ب {خالدون} وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم والعامل فيها معنى الاستقرار.
قوله تعالى: {لا يستحيى} وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياءان، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هي اللام كما تحذف في الجزم، ووزنه على هذا يستفع، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت، وقيل المحذوف هي العين وهو بعيد {أن يضرب} أي من أن يضرب، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل {ما} حرف زائد للتوكيد و{بعوضة} بدل من مثلا، وقيل مانكرة موصوفة، وبعوضة بدل من ما ويقرأ شإذا بعوضة بالرفع على أن تجعل ما بمعنى الذى، ويحذف المبتدأ: أي الذي هو بعوضة، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره: مثلا هو بعوضة {فما فوقها} الفاء للعطف، ومانكرة موصوفة، أو بمنزلة الذى، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار، والمعطوف عليه بعوضة {أما} حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط، ويذكر لتفصيل ما أجمل، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره، والأصل مهما يكن من شيء فالذين آمنوا يعلمون، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط {من ربهم}.
في موضع نصب على الحال: والتقدير: أنه ثابت أو مستقر من ربهم، والعامل معنى الحق، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه {ماذا} فيه قولان: أحدهما أن ما اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء وذا بمعنى الذي و{أراد} صلة له، والعائد محذوف، والذى وصلته خبر المبتدإ، والثانى أن ما وذا اسم واحد للاستفهام، وموضعه نصب بأراد، ولا ضمير في الفعل، والتقدير أي شيء أراد الله {مثلا} تمييز: أي من مثل، ويجوز أن يكون حالا من هذا: أي متمثلا أو متمثلا به، فيكون حالا من اسم الله {يضل} يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله، ويجوز أن يكون مستأنفا {إلا الفاسقين} مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لأن يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى: {الذين ينقضون} في موضع نصب صفة للفاسقين، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى، وأن يكون رفعا على الخبر، أي هم الذين، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر قوله: {أولئك هم الخاسرون}.
{من بعد} من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك، وزائدة على رأى من لم يجزه، وهو مشكل على أصله، لأنه لا يجيز زيادة من في الواجب {ميثاقه} مصدر بمعنى الإيثاق، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول {ما أمر} ما بمعنى الذى، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة، و{أن يوصل} في موضع جر بدلا من الهاء، أي يوصله، ويجوز أن يكون بدلا من ما بدل الاشتمال تقديره: ويقطعون وصل ما أمر الله به، ويجوز أن يكون في موضع رفع: أي هو أن يوصل {أولئك} مبتدأ و{هم} مبتدأ ثان أو فصل، و{الخاسرون} الخبر.
قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله} كيف في موضع نصب على الحال، والعامل فيه تكفرون، وصاحب الحال الضمير في تكفرون، والتقدير: أمعاندين تكفرون، ونحو ذلك، وتكفرون يتعدى بحرف الجر، وقد عدى بنفسه في قوله: {ألا إن عادا كفروا ربهم} وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا {وكنتم} قد معه مضمرة والجملة حال {ثم إليه} الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الإحياء المدلول عليه بقوله: {فأحياكم} قوله تعالى: {جميعا} حال في معنى مجتمعا {فسواهن} إنما جمع الضمير لأن السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة {سبع سموات} سبع منصوب على البدل من الضمير، وقيل التقدير: فسوى منهن سبع سموات، كقوله:- واختار موسى قومه- فيكون مفعولا به، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا {وهو} يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم، وإنما أسكنت لأنها صارت كعضد فخففت، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو، ويقرأ بالضم على الأصل.
قوله تعالى: {وإذ قال} هو مفعول به تقديره: واذكر إذ قال: وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقي إذ قال ربك، وقيل إذ زائدة و{للملائكة} مختلف في واحدها وأصلها.
فقال قوم أحدهم في الأصل مألك على مفعل، لأنه مشتق من الألوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر:
وغلام أرسلته أمه ** بألوك فبذلنا ما سأل

فالهمزة فاء الكلمة، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا: ملاك.
قال الشاعر:
فلست لإنسى ولكن لملاك ** تنزل من جو السماء يصوب

فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة.
وقال آخرون أصل الكلمة لأك، فعين الكلمة همزة، وأصل ملك: ملاك من غير نقل، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت، فوزنه الآن مفاعلة، وقال آخرون عين الكلمة واو، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشيء في فيه، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك: ملاك مثل معاذ، ثم حذفت عينه تخفيفا، فيكون أصل ملائكة: ملاوكة، مثل مقاولة، فأبدلت الواو همزة، كما أبدلت واو مصائب.
وقال آخرون: ملك فعل من الملك، وهى القوة، فالميم أصل، ولاحذف فيه، لكنه جمع على فعائلة شإذا {جاعل} يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون {في الأرض} هو الثاني {خليفة} فعيلة بمعنى فاعل، أي يخلف غيره، وزيدت الهاء للمبالغة {أتجعل} الهمزة للاسترشاد، أي تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أي أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير {يسفك} الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد قرئ بضمها وهى لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة {الدماء} منقلبة عن ياء لأن الأصل دمى، لأنهم قالوا دميان {بحمدك} في موضع الحال تقديره: نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك {ونقدس لك} أي لأجلك، ويجوز أن تكون اللام زائدة: أي نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله {إني أعلم} الأصل إننى، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية، هذا هو الصحيح، وأعلم: يجوز أن يكون فعلا ويكون ما مفعولا، إما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل، فيكون ما في موضع جر بالإضافة، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم: هؤلاء حواج بيت الله، بالنصب والجر، وسقط التنوين لأن هذا الاسم لا ينصرف، فإن قلت: أفعل لا ينصب مفعولا.
قيل: إن كانت من معه مرادة لم ينصب، وأعلم هنا بمعنى عالم، ويجوز أن يريد بأعلم: أعلم منكم، فيكون ما في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم، ومثله قوله: {هو أعلم من يضل عن سبيله}.
قوله تعالى: {وعلم} يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون معطوفا على {قال ربك} وموضعه جر كموضع قال، وقوى ذلك إضمار الفاعل، وقرئ: {وعلم آدم} على ما لم يسم فاعله، وآدم أفعل، والألف فيه مبدلة من همزة هي فاء الفعل، لأنه مشتق من أديم الأرض أو من الأدمة، ولا يجوز أن يكون وزنه فاعلا، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى {ثم عرضهم} بعنى أصحاب الأسماء فلذلك ذكر الضمير {هؤلاء إن كنتم} يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل، ويقرأ بهمزة واحدة، قيل المحذوفة هي الأولى، لأنها لام الكلمة والأخرى أول الكلمة الأخرى وحذف الآخر أولى، وقيل المحذوفة الثانية لأن الثقل بها حصل، ويقرأ بتليين الهمزة الأولى وتحقيق الثانية وبالعكس، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف.
قوله تعالى: {سبحانك} سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا، لأن الإضافة تبين من المعظم، فإن أفرد عن الإضافة كان اسما علما للتسبيح لا ينصرف للتعريف، والألف والنون في آخره مثل عثمان، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر وما يضاف إليه مفعول به لأنه المسبح، ويجوز أن يكون فاعلا، لأن المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره: سبحت الله تسبيحا {إلا ما علمتنا} ما مصدرية أي إلا علما علمتناه، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم، كقولك لاإله إلا الله، ويجوز أن تكون ما بمعنى الذى، ويكون علم بمعنى معلوم: أي لا معلوم لنا إلا الذي علمتناه، ولا يجوز أن تكون ما في موضع نصب بالعلم، لأن اسم لا إذا عمل فيما بعده لايبنى {إنك أنت العليم} أنت مبتدأ والعليم خبره، والجملة خبر إن، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب، ووقع بلفظ المرفوع لأنه هو الكاف في المعنى ولا يقع هاهنا إياك للتوكيد، لأنها لو وقعت لكانت بدلا، وإياك لم يؤكد بها، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها من الإعراب، و{الحكيم} خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة، وهو صحيح لأن هذه الصفة هي الموصوف في المعنى، والعليم بمعنى العالم، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم، وأن يكون بمعنى المحكم.
قوله تعالى: {أنبئهم} يقرأ بتحقيق الهمزة على الأصل، وبالياء على تليين الهمزة، ولم نقلبها قلبا قياسيا، لأنه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت، وقد قرئ: {آنبهم} بكسر الباء من غير همزة ولاياء، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد، وإلى الثاني بحرف الجر، وهو قوله: {بأسمائهم} وقد يتعدى بعن كقولك: أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى: {قد نبأنا الله من أخباركم} فيذكر في موضعه {وأعلم ما تبدون} مستأنف وليس بمحكى بقوله: {ألم أقل لكم} ويجوز أن يكون محكيا أيضا، فيكون في موضع نصب، وتبدون وزنه تفعون، والمحذوف منه لامه وهى واو، لأنه من بدا يبدو، والأصل في الياء التي في {إنى} أن تحرك بالفتح لأنها اسم مضمر على حرف واحد، فتحرك مثل الكاف في إنك، فمن حركها أخرجها على الأصل، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة.
قوله تعالى: {للملائكة اسجدوا} الجمهور على كسر التاء، وقرئ بضمها وهى قراءة ضعيفة جدا، وأحسن ما تحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء، ولم يدرك الراوى هذه الإشارة، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، ومثله ما حكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفى سوأة أنتنه، بفتح التاء، وكأنها نوت الوقف على التاء، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة {إلا إبليس} استثناء منقطع، لأنه لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل، لأنه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لا ينصرف للعجمة والتعريف، وقيل هو عربي واشتقاقه من الإبلاس ولم ينصرف للتعريف، وأنه لا نظير له في الأسماء، وهذا بعيد، على أن في الأسماء مثله نحو: إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره: ترك السجود كارها له ومستكبرا {وكان من الكافرين} مستأنف، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا.
قوله: {اسكن أنت وزوجك} أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه والأصل في {كل} أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا، ومثله خذ، ولا يقاس عليه، فلا تقول في الأمر من أجر يأجر جر، وحكى سيبويه أو كل شإذا {منها} أي من ثمرتها، فحذف المضاف، وموضعه نصب بالفعل قبله، ومن لابتداء الغاية و{رغدا} صفة مصدر محذوف: أي أكلا رغدا أي طيبا هنيئا، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: كلا مستطيبين متهنئين {حيث} ظرف مكان، والعامل فيه كلا، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به، لأن الجنة مفعول وليس بظرف، لأنك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار، بمعنى نزلت، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت {هذه الشجرة} الهاء بدل من الياء في هذى، لأنك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى، والياء للمؤنث مع الذال لاغير، والهاء بدل منها لأنها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه، وقرئ في الشاذ {هذه الشيرة} وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج {فتكونا} جواب النهى، لأن التقدير: إن تقربا تكونا، وحذف النون هنا علامة النصب لأن جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف.
قوله تعالى: {فأزلهما} يقرأ بتشديد اللام من غير ألف: أي حملها على الزلة، ويقرأ: {فأزلهما} أي نحاهما، وهو من قولك: زال الشيء يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته، وألفه منقلبة عن واو {مما كانا فيه} ما بمعنى الذى، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة: أي من نعيم أو عيش {اهبطوا} الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة، وقرئ بضمها، وهى لغة {بعضكم لبعض عدو} جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أي اهبطوا متعادين، واللام متعلقة بعدو، لأن التقدير بعضكم عدو لبعض، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر، ويجوز أن يكون صفة لعدو، فلما تقدم عليه صار حالا، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال: {فإنهم عدو لى} {ولكم في الأرض مستقر} يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون حالا أيضا، وتقديره: اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار، و{إلى حين} يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع لأنه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين.
قوله تعالى: {فتلقى آدم} يقرأ برفع آدم ونصب كلمات، وبالعكس لأن كل ماتلقاك فقد تلقيته، و{من ربه} يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقي، ويكون لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في الأصل صفة لكلمات تقديره: كلمات كائنة من ربه، فلما قدمها انتصبت على الحال {إنه هو التواب} هو هاهنا مثل أنت في {إنك أنت العليم الحكيم} وقد ذكر قوله: {منها جميعا} حال: أي مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة، بحيث يشتركون في الهبوط {فإما} إن حرف شرط، وما حرف مؤكد له، و{يأتينكم} فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية، والفعل يصير بها مبنيا أبدا، وما جاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس، لأن زيادة ما تؤذن بإرادة شدة التوكيد، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون، وجواب الشرط {فمن تبع} وجوابه، ومن في موضع رفع بالابتداء، والخبر تبع، وفيه ضمير فاعل يرجع على من، وموضع تبع جزم بمن.
والجواب {فلا خوف عليهم} وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ، ولا يلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت: من يقم أكرم زيدا جاز، ولو قلت: من يقم زيدا أكرمه، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز.
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من، وخوف مبتدأ، وعليهم الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذي فيه، والرفع والتنوين هنا أوجه من البناء على الفتح لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه مالا يجوز فيه إلا الرفع، وهو قوله: {ولا هم} لأنه معرفة، ولا لاتعمل في المعارف، فالأولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو: قام زيد وعمرا كلمته، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل.
والوجه الثاني من جهة المعنى، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية.
وليس المراد ذلك، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة.
فإن قيل: لم لا يكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى.
ولا يليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير.
قيل: الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره: لاخوف كثير عليهم.
فيتوهم ثبوت الياء القليل، وهو عكس ما قدر في السؤال.
فبان أن الوجه في الرفع ما ذكرنا {هداى} المشهور إثبات الألف قبل على لفظ المفرد قبل الإضافة، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ما قبلها في الاسم الصحيح والألف لا يمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت.
قوله: {بآياتنا} الأصل في آية: أية، لأن فاءها همزة وعينها ولامها ياء أن لأنها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء، فظهرت الياء الأولى والهمزة الأخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال، والألف الثانية مبدلة من همزة هي فاء الكلمة، ولو كانت عينها واوا لقالوا: آواء، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس.
ومثله غاية وثاية، وقيل أصلها أييه ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقبل أصلها أيية بفتح الأولى والثانية، ثم فعل في الياء ما ذكرنا.
وكلا الوجهين فيه نظر، لأن حكم الياءين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف، وقيل أصلها أيية على فاعلة، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة، وهذا ضعيف لأن التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة {أولئك} مبتدأ و{أصحاب النار} خبره، و{هم فيها خالدون} مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار، لأن في الجملة ضميرا يعود عليها، ويكون العامل في الحال معنى الإضافة، أو اللام المقدرة.
قوله تعالى: {يا بنى إسرائيل} إسرائيل لا ينصرف لأنه علم أعجمى، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام، ومنهم من يقول كذلك، لا أنه يقلب الهمزة ياء.
ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء.
ومنهم من يحذفها فيقول إسرال، ومنهم من يقول إسرائين بالنون، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة، وليس بسالم في الحقيقة لأنه لم يسلم لفظ واحده في جمعه، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو.
وقال قوم: لامه ياء ولا حجة في البنوة لأنهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء {أنعمت عليكم} الأصل أنعمت بها، ليكون الضمير عائدا على الموصول، فحذفت حرف الجر فصار أنعمتها، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله: {أهذا الذي بعث الله رسولا} {وأوفوا} يقال في الماضي وفى ووفى وأوفى، ومن هنا قرئ: {أوف بعهدكم} وأوف بالتخفيف والتشديد {وإياى} منصوب بفعل محذوف دل عليه {فارهبون} تقديره: وارهبوا إياى فارهبون، ولا يجوز أن يكون منصوبا بارهبون لأنه قد تعدى إلى مفعوله.
قوله: {مصدقا} حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت، و{معكم} منصوب على الظرف، والعامل فيه الاستقرار {أول} هي أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما، ولم تخرج على الأصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين.
وقال بعض الكوفيين: أصل الكلمة من وأل: يأل، إذا نجا فأصلها أوأل، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الأولى فيها.
وهذا ليس بقياس، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف، وقال بعضهم من آل يئول، فأصل الكلمة أول.
ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو، ثم عمل فيها ما عمل في الوجه الذي قبله فوزنه الآن، أعفل {كافر} لفظه واحد.
وهو في معنى الجمع: أي أول الكفار.
كما يقول هو أحسن رجل، وقيل التقدير: أول فريق كافر.